حدث في رمضان
فتح مكة،، الفتح العظيم والحاسم!
سبب الغزوة:
جاء في بنود وثيقة الحديبية أن من أحب أن يدخل في عقد محمد - صلى الله عليه وسلم - وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، أن القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين تعتبر جزءاً من ذلك الفريق، وبسبب هذا البند دخلت خزاعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وصارت كل من القبيلتين في أمن من الأخرى، وقد كان
حدث في رمضانت بين القبيلتين عداوة وتوترات في الجاهلية فلما جاء الإسلام وقعت هذه الهدنة وأمن كل فريق من الآخر: اغتنمها بنو بكر وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فخرج نوفل بن معاوية في جماعة من بني بكر، فأغاروا ليلاً على خزاعة وهم على ماء يقال له الوتير فأصابوا منهم رجالا وتناوشوا واقتتلوا وأغاثت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل حتى حازوا خزاعة إلى الحرم فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة لا إله اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتشرفون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه.
ولما دخلت خزاعة مكة لجأوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي وإلى دار مولى لهم يقال له رافع وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قدم المدينة فوقف عليه وهو جالس من المسجد بين ظهراني الناس فقال:
يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلــــدا
قد كنتم ولداً وكنا والدا ثمة أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر، هداك الله نصراً أيداً وأدع عباد الله يأتوا مددا
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نصرت يا عمرو بن سالم ثم عرضت له سحابة من السماء فقال إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب.
أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح:
قدم أبو سفيان المدينة حتى لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه فلم يرد عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول الله - صلى الله عله وسلم - فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال أأنا أشفع لكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به،، وحينئذ أظلمت الدنيا أمام عيني أبي سفيان ثم رجع أبو سفيان إلى مكة خائباً.
التهيؤ للغزوة ومحاولة الإخفاء:
بعد قدوم عمرو بن سالم الخزاعي وإنشاده الأبيات السابقة، ثم قدوم أبي سفيان تأكد عند الناس الخبر بنقض الميثاق فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاز وأعلمهم أنه سائر إلى مكة وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.
الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:
ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك سنة 8 هـ.
غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة متجهاً إلى مكة في عشرة آلاف من الصحابة - رضي الله عنهم -. ثم لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبواب لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبدالله بن أبي أمية فأعرض عنهما.
وواصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيره وهو صائم والناس صيام حتى بلغ الكديد فافطروا وأفطر الناس معه.
وبعد نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموقع الظهران جاءه أبو سفيان وقد كان أدخله العباس في جواره (،،) فقال له رسول الله: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد.
قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن أن تعلم أني رسول الله، وقال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيء، فقال له العباس: ويحك أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك فأسلم وشهد شهادة الحق.
الجيش الإسلامي يغادر إلى مكة:
في صباح يوم الثلاثاء للسابع عشر من شهر رمضان غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الظهران إلى مكة،، وأمر رسول الله العباس أن يحبس أبا سفيان حتى تمر به جنود الله فيراها ففعل فمرت القبائل على راياتها ولما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان قال له العباس التجئ إلى قومك فأسر أبو سفيان حتى دخل مكة وصرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به.
فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمضى حتى كان يضع رأسه تواضعا لله؛ حتى رأى ما أكرمه الله به من هذا الفتح.
وهناك وزع جيشه، وكان خالد بن الوليد على المجنبه اليمنى وأمرهم أن يدخلوا من أسفلها، وكان الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى وأمرهم أن يدخلوا مكة من أعلاها، وكان أبو عبيدة على الرجالة والجسر وأمرهم أن يأخذوا ببطن الوادي.
يطهر الحرم من الأصنام:
ثم نهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون والأنصار بين يديه ومن خلفه وحوله حتى دخل المسجد الحرام فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم طاف بالبيت وفي يده قوس وحول البيت 360 صنماً فجعل يطعنها بالقوس ويقول (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً).
وكان طوافه على راحلته ولم يكن محرماً يومئذ فاقتصر على الطواف، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة فأمر بها ففتحت فدخلها فرأى فيها الصور (،،،) وأمر بالصور فمحيت ورأى في الكعبة حمامة من عيدان فكسرها بيده، ثم أغلق الباب عليه وعلى أسامة وبلال. ثم صار هناك ثم دار في البيت وكبر في نواحيه ووحد الله ثم فتح الباب وقريش قد ملأت المسجد صفوفاً ينتظرون ماذا يصنع فأخذ بعضاوتي الباب وهم تحته فقال:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثره أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتيل الخطأ شبه العمد السوط والعصا ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها.
يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير، ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ودعا عثمان بن طلحة فقال له هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء وفي رواية ابن سعد من الطبقات خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم.
وحانت الصلاة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلال أن يصعد ليؤذن على الكعبة.
ولما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ومجده بما هو أهله، ثم قال أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهى حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً أو يعضد بها شجرة وفي رواية لا يعضد شوكة ولا ينفر صيده ولا تلتقط ساقطته إلا من عرضها ولا يختلي خلاه.
ولما تم فتح مكة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بلده ووطنه ومولده قال الأنصار فيما بينهم أترون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها.
وهو يدعو على الصفا رافعاً يديه فلما فرغ من دعائه قال: ماذا قلتم؟ قالوا لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم، وحينما فتح الله على رسوله والمسلمين تبين لأهل مكة الحق فأذعنوا له واجتمعوا للبيعة فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا يبايع الناس فيما بايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة 19 يوما يجدد معالم الإسلام ويرشد الناس إلى الهدى والتقى.
تلك هي غزوة فتح مكة وهي المعركة الفاصلة والفتح الأعظم الذي قضى على كيان الوثنية قضاء باتاً.